بحث عن استخدام الكيمياء في الطب ، الكيمياء تُشكل جزء من حياتنا اليومية فمنذ وجود الجنس البشري على كوكب الأرض وكانت الكيمياء من إحدي الوسائل الأساسية التي يعتمد عليها. في البداية اكتشف الإنسان النار وهو يحاول أن يستفيد منها في تأدية حاجاته؛ الإحتراق عبارة عن نوع من التفاعلات الكيميائية التي تحدث عن طريق إستخدام الوقود؛ الخشب أو حتى الفحم وبالطبع عن طريق عملية الأكسدة التي تحدث في وجود الأكسجين.
هذا يشير إلى أن الإنسان نما بشكل سريع عن طريق إستخدام الكيمياء التي تهدف إلى تحويل مادة إلى مادة آخرى، وهكذا تمكن الإنسان من استخدام العناصر المختلفة في الكثير من الأمور الأساسية في الحياة اليومية، تلك الأمور التي تمنحه الراحة والرفاهية.
محتويات
أهداف البحث الكيميائي او استخدام الكيمياء في الطب
هذا ما حفز الكثير من العلماء قديمًا للبحث حول أهداف البحث الكيميائي والتي تختلف الآن بشكل كبير عن الوقت الماضي فقد كانوا فيما سبق يبحثون لماذا تتفاعل تلك المواد ولماذا تحولت هذه المواد إلى آخرى، لكن الآن امتلك العلماء الشغف والحماس لمعرفة أسباب التغييرات الكيميائية التي كانوا يقومون بها ومن هنا دخلت الكيمياء في دائرة العلوم.
في بداية الأمر انحصرت الكيمياء العملية في ثلاث مجالات فقد وهى التعدين وصناعة الأواني الفخارية وأيضًا صناعة الزجاج. ونادرًا ما كانت تُستخدم في تحضير الأصباغ النباتية التي استخدمت سابقًا في تلوين الأقمشة الخاصة بهم. كما اكتشف بعض الحكماء في القدم عدد بسيط من الأدوية لعلاج بعض الأمراض البسيطة عن طريق استخدام النباتات والأعشاب الطبيعية.
على الرغم من التقدم العلمي الكبير في هذا الوقت إلا أن الكيمياء لم تكن من العلوم ذات شأن كبير كما كان الطب وعلوم الفلك، فقد كان العلماء يتأثرون بشكل كبير بتلك النظريات الخاصة بهم أو النظريات التي تتصل بالطبيعة بشكل أساسي.
المجال العلمي في الكيمياء
قد كان طاليس الذي عاش في الفترة ما بين 624 و 545 قبل الميلاد من أحد مفكري الإغريق الأوائل الذين طوروا من المجال العلمي بشكل خاص حيث اهتم طاليس بعلم الرياضيات وعلم الفلك وأيضًا كيمياء تلك الأيام فقد سافر طاليس إلى الكثير من البلدان وشاهد بنفسه العجائب التي يمكن الحصول عليها في مجال الكيمياء العملية او استخدام الكيمياء في الطب . هنا ظهرت نظريته والتي تشير إلى أن كافة الأشياء في العالم نشأت من الماء وبعد أن تُكمل دورة حياتها سوف تعود إلى الماء مرة آخرى.
هناك أيضًا إمبيدوقليس الذي ولد في جزيرة صقلية عام 492 قبل الميلاد والذي عمل على تطوير نظرية طاليس عن طبيعة المادة وهنا ظهرت النظرية الخاصة به والتي كانت السبب الأساسي في شهرته، وتشير نظريته إلى أن كل شيء في الكون يتكون من أربعة عناصر أساسية وهي: التراب والهواء والنار والماء، كل الأشياء الموجودة في العالم تتكون من هذه العناصر الأربعة الخالدة والتي لا تُفنى.
هذه النظرية أثارت الجدل بين العديد من العلماء والفلاسفة في هذا الوقت، كما أنها أثارت الإهتمام العلمي لمدة الف عام بعد ذلك.
بعد ذلك ظهرت النظرية الذرية للمادة للفيلسوف ليوسيبوس وطورها بعد ذلك تلميذه ديموقراط وتلك النظريات تقول أن العالم يتكون من جزيئات صغيرة ولا يمكن اختزالها إلى جزئيات أصغر منها، هذه الجزئيات والذرات تتشابه مع بعضها بشكل أساسي وتملك صفة الدوام أيضًا.
استخدام الكيمياء في الطب تاريخيا
عندما عرف الإنسان قدرة بعض النباتات والأعشاب الطبيعية على تخفيف بعض الآلام، هنا ارتبط علم الكيمياء بالطب ولكن في العصور ما قبل التاريخ اختفت هذه العلاقة فقد استطاع بعض الأطباء إكتشاف الكثير من الأدوية التي استخدمت في علاج الكثير من الأمراض والإضطرابات التي تُصيب الجسم.
لكن خلال أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر لوحظ تغيير كبير في مجال الطب وهذا على يد الطبيب السويسري المشهور باراسيليس الذي تمكن من إبتكار أدوية جديدة فقد بإستخدام مجموعة من المواد المعدنية بدلًا من إستخدام الأعشاب والخلاصة النباتية.
هذا العمل يُعتبر بمثابة منبه للعلاقة التي تجمع بين الكيمياء والطب، كما أنها أثارت إنتباه الأطباء إلى إمكانية استخدام علم الكيمياء في الطب وهذا أدى إلى ظهور نشاط جديد هذين العلمين واستمر التطور منذ ذلك الوقت إلى الوقت الحالي فقد أضاف العديد من الكيميائيون في القرون التالية الكثير من الإضافات الهامة والقيمة إلى استخدام الكيمياء في الطب .
علاج الأمراض بالعقاقير
يعتبر بول إرليش أحد أعظم علماء القرن التاسع عشر الذي لُقب ب “والد الكيمياء العلاجية” (الكيموثيرابي) فن علاج الأمراض بالعقاقير كما عرفه بعض الأطباء في الوقت الراهن. من أشهر إكتشافاته العلاجية الدواء الذي استخدم في علاج مرض النوم وهو عبارة عن صبغة حمراء “أحمر تريبان” وإكتشافه العظيم الدواء الذي استخدم في علاج مرض الزهري والذي عُرف ب “سالفرسان” أو الرصاصة السحرية وهو مكون من مركبات الزرنيخ.
لكن على الرغم من محاولات العلماء الشاقة في تطوير العلاقة بين الكيمياء والطب لأكثر من أربعة قرون إلا أنها لم تحظى بالأهمية الكبيرة حتى بداية الحرب العالمية الأولى. خلال هذه الفترة يمكنك أن تعد العقاقير التي استخدمت في علاج الكثير من الأمراض المختلفة على أصابع اليد. حتى 1918م بعيًدا عن الأدوية المستخدمة في تسكين الآلام والتخدير ومضادات السموم؛ اهتم الأطباء بأدوية آخرى لعلاج بعض الأمراض من بينها الأفيون والديجيتاليس وأيضًا الزئبق والكينين وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب
على الرغم من أن الكيمائين تمكنوا من وضع الأسس العلمية الأساسية لعلم الكيمياء إلا أنها لم يبحثوا خلف الخواص الكيميائية والفيزيائية لعدد لا يُحصى من المواد والمركبات ولهذا السبب لم يتمكنوا من معرفة سحر تلك المواد في الطب وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
لكن ما حدث في عام 1921 كان بمثابة فرصة عظيمة للكيمائين للإستيقاظ ومعرفة سحر تلك المواد الكيميائية فقد استطاع الدكتور الشهير فريدريك بانتنج تكوين عقار الأنسولين الذي يعتبر معجزة لمرضى السكر الذي يساعدهم في الإنتقال من حافة الموت إلى الحياة. بعد ذلك تضاعفت الجهود وتطورت الأبحاث والنشاطات التجريبية في مدة عشر سنوات أو أكثر بقليا، وخلال هذه الفترة تمكنوا من إنتاج الكثير من المواد التي أدخلت الإنسان في عصر “العلاج الكيماوي الحديث” والذي يعتبر عصر المعجزات.
تعتبر مركبات السلفا هو أول المعجزات الدوائية التي أُكتشفت خلال عام 1930 ومنذ ذلك الوقت تم الحصول على الكثير من العقاقير والأدوية التي ساعدت الأطباء في مكافحة الأمراض ومعالجتها.
مركبات السلفا
أيضًا لا يعلم الكثيرون حول قصة مركب “السلفانيلاميد” وهو العقار الأول المشتق من مركبات السلفا. علينا أولًا أن نبدأ بمعامل شركة “فارين” بألمانيا وهى من أشهر بل أهم الشركات الكيميائية في العالم ، تلك المعامل التي تنتج الكثير من الأصباغ الكيميائية بدءًا من قطران الفحم الحجري. حاول كيمائيو الشركة تكوين أصباغ جديدة ومنفردة من نوعها تساعدهم في الإحتفاظ بالمركز الأول على الدوام في هذا المجال، بالفعل تمكنوا من تحضير عدد كبير من الأصباغ الجديدة الجيدة وقد تم تقسيم تلك الأصباغ إلى مجموعة من وقسم منها في مجموعة “مركبات الآزو” المشهورة بأهميتها في الصباغة. تلك المواد تم الإستفادة منها بشكل كبير في مجال الصباغة ولكن لم يتمكن العلماء من معرفة تأثير تلك الأصباغ التي تحمل سرًا أهم بكثير من قدرتها على تغيير لون الأنسجة.
لكن خلال عام 1930 تمكن الدكتور جيرهارد دوماك وهو مدير معهد فاربن للباثولوجيا من استخدام العديد من مركبات أصباغ الأزو في العديد من التجارب والتي أثبتت فيما بعد قدرتها على علاج وإبادة الميكروبات. بعد مرور ثلاث سنوات آخرى استطاع مساعدوه من إكتشاف صبغ أحمر آخر من تلك المركبات والذي تمكن من علاج فئران التجارب المصابة بالبكتيريا السبحية وهذا الصبغ لم يكن له أى تأثير ضار على الفئران وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
بعد مرور فترة بسيطة تمكن أحد الأطباء على المستوى العالمي من تجربة هذا الدواء على البشر وكانت الحالة الأولى التي جربت هذه المادة هى إبنة الدكتور دوماك التي أصيبت بإلتهاب حاد نشأ نتيجة الوخز بالإبرة وقد اشتد عليها المرض كثيرًا وأصبحت قريبة من حافة الموت، على الرغم من تجربة الكثير من العلاجات بمكا في ذلك الجراحة لإيقاف إنتشار الميكروب إلا أن تلك الوسائل فشلت معها ولم تتمكن من علاجها، ولكن تمكن الدكتور دوماك من تذكر تأثير تلك المادة على فئران التجارب المصابة بالميكروبات وبالفعل قرر استخدام العلاج الكيميائي في علاج الميكروب الذي يصيب ابنته وبالفعل حدثت المعجزة وانكسرت حدة الحمي وتلاشي تأثير الميكروب تدريجيًا إلى أن اختفى بشكل نهائي، هذا ما يُقال عنه بالفعل السحر في مجال الطب او استخدام الكيمياء في الطب . بعد ذلك استخدم هذا العقار في مختلف أنحاء ألمانيا في علاج مرضاهم.
بعد ذلك ظهر أحد مشتقات مركبات السلفا على الساحة وهو “البرونتوزيل” فقد قامت شركة فاربن بإنتاج هذا المركب معتقدة أنه يتكون من مادة أقرباذينية مربحة، ولكن قام كيمائيان فرنسيان من معهد باستور بباريس بإجراء إختبارات شاملة على كمية من البرونتوزيل. أشارت نتائج تلك الإختبارت إلى أن اللون الأحمر لهذه الصبغة يظهر نتيجة لتأثير جزء من المادة وهو ما يعطيها اللون الأحمر، أما من الناحية العلاجية فقد أظهرت الإحصائيات الطبية أن هذا العقار يتكون من مادة السلفانيلاميد، هذا الجزء الذي تكون من تحلل البرونتوزيل في جسم الإنسان وهو ما يسهم في محاربة الميكروبات وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
بعد هذا الإكتشاف؛ بدأ العديد من الكيمائيون في الدول الأخرى من إنتاج أشكال مختلفة من هذا العقار، تلك الأشكال التي أثبتت فعالية كبيرة وأظهرت نتائج علاجية رائعة كتلك التي حصل عليها الأطباء في ألمانيا. هكذا امتدت شهرة مركبات السلفا وقدرتها على علاج ومكافحة الأمراض التي تهاجم الجسم وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
بسبب السلفانيلاميد تمكن الأطباء من التغلب على أمراض كان يُعتقد سابقًا أنها من الأمراض المستعصية التي لا يمكن علاجها. الكثير من الأمراض التي تصيب الجسم تنشأ نتيجة للإصابة بالبكتيريا السبحية وهى عائلة صعبة من الميكروبات التي تتشابك مع بعضها على هيئة حبات المسبحة أو العقد. الإصابة بتلك الميكروبات ينتج عنه الإصابة بأمراض آخرى من بينها الأمراض البسيطة ومنها الأمراض الخطيرة والتي تشمل إلتهاب اللوزتين وإلتهاب الحلق ومرض الحمرة وتسمم الدم.
كما استطاع هذا العقار علاج أنواع مختلفة من البكتيريا المرضية مثل البكتيريا التي تسبب في بعض أنواع الإلتهاب الرئوي. لكن بعد استخدام مركبات السلفا في المرحلة الأولى؛ لاحظ مجموعة من الأطباء أن استخدام هذا العقار السحري لفترة طويلة من الوقت قد يسبب في الآثار السلبية من بينها أعراض الحساسية التي ظهرت على بعض الحالات التي استخدمت العقار بكثرة في العلاج. كما أن هذا العقار كان له تأثير سلبي على كريات الدم الحمراء والبيضاء، لهذا السبب حاول الكيمائيون تحسين مركبات السلفا للتغلب على تلك التأثيرات السلبية المسببة لأمراض الحساسية وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
على الرغم من أن السلفانيلاميد يُستعمل في الوقت الحالي إلا أنه لا يتمكن من الفوز على مركبات السلفا المستعملة الآخرى التي تملك تأثيرًا قوي على البكتيريا الضارة وتلك المركبات الآخرى تشمل السلفابيريدين والسلفاثيازول والسلفاديازين والسلفاجوانيدين والسلفاميرازين، تلك المركبات استطاعت أن تُخفض من خطر التسمم بمركبات السلفا حتى وإن كانت تسبب في الإصابة أحيانًا بأعراض بسيطة وخفيفة من الحساسية، لكن إلى الآن يحاول الكيمائيون تحسين مركبات السلفا، أحد المشاكل التي يحاولون حلها هى قدرة أنواع من البكتيريا والميكروبات من إكتساب المناعة ضد هذا التأثير القاتل لمركبات السلفا.
لكن بعد إكتشاف “المضادات الحيوية” الرائع اهتم الكيمائيون تطوير هذا الحقل الجديد وأُهمل البحث في مجال مركبات السلفا.
المضادات الحيوية عبارة عن مجموعة من المواد الكيميائية التي تنتجها أنواع من الكائنات الحية التي تملك القدرة على كبح العمليات الحيوية لكائنات آخرى دقيقة وبهذه الطريقة تقاوم تأثيرها على جسم الإنسان.
إستعمال هذا النوع من الكيماويات في صورة عقاقير طبية أحدثت ثورة كبيرة في أساسيات العلاج الطبي. بفضل إستخدام هذه العقاقير الطبية والتي أصبحت في متناول يد الجميع الآن؛ تمكن الأطباء من إيقاف بل علاج أى مرض ناتج عن الإصابة بالميكروبات أو البكتيريا، ولكن هنا يجب أن نستثني بعض الأمراض التي تنتج عن الإصابة بالفيروسات كالزكام أو شلل الأطفال وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
خلال عام 1928 استطاع الدكتور العلمي ألكسندر فليمنج الإنجليزي القيام بمجموعة من الأبحاث المختبرية في مستشفى سانت ماري بلندن حيث لاحظ في عدد مختلف من المزارع وجود سلالات مختلفة لمجموعة البكتيريا التي عُرفت ب ” ستافيلو كوكس أوريس” هذا النوع من الميكروبات الذي يسبب في ظهور الدمامل وأنواع آخرى مختلفة من الإلتهابات. لكن في إحدى المرات لاحظ وجود شيء غريب في مزارعه وهو نشأة عفن أزرق مخضر في وسط مزرعة من بكتيريا الستافيلو كوك، وهذا يعتبر من أكثر الأشياء إثارة في هذا الوقت ولكن ما هو أكثر إثارة هو وجود حلقة عديمة اللون وشفافة محيطة بالبكتيريا وبعد أن فحصها الدكتور فليمنج تأكد من عدم وجود بكتيريا بها.
بعد العديد من الدراسات؛ تم التأكد من أن هذا العفن الأزرق المخضر هو الفطر الذي عُرف علميًا ب “بنيسليوم نوتاتم” وهذا الفطر ينتج مادة غامضة للغاية سائل بني وبعد إجراء التجارب على الفئران المصابة ببكتيريا الستافيلو كوك والستريتو كوك والبنيمو كوك، دب النشاط في الفئران المصابة مرة آخرى وعادت إليهم الصحة. هذا يشير إلى أن هذا السائل تمكن من إبادة اليكتيريا بشكل نهائي.
البنسلين في استخدام الكيمياء في الطب
بعد ذلك تم إنتاج البنسلين النادر بكميات مناسبة خلال عام 1941 وتم تجربيه على إحدى الحالات بمستشفى راد كليف بجامعة أكسفورد، تلك الحالة كانت أقرب إلى الموت بسبب الإصابة بإلتهاب ميكروبي نشأ جرح بسبب الحلاقة بالموس. وجه المريض كان ممتلئ بالخراريج وجسمه يلتهب بالحمى ولم تتمكن عقاقير السلفا؛ أفضل الأدوية الطبية في هذا الوقت من علاجه وتحسين حالته ولكن في نهاية المطاف استخدموا البنسيلين كملاذ أخير لإختبار قوة هذا العقار وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
بمجرد أن حقن الأطباء هذه المادة في جسم المريض لاحظوا بالفعل معجزة طبية فقد انخفضت درجة حرارته بسرعة وظهر التحسن على صحته وفي خلال خمسة أيام كان في طريقه للشفاء تمامًا من هذا الميكروب، لكن مع الأسف لم تكفي كمية الأنسولين ولذلك انتكست حالته وتوفي بعد ذلك. ولكن حاولت الكثير من الشركات إنتاج أعداد من مادة البنسلين وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية لعلاج الجنود الجرحي الذين يحتاجون إلى عناية طبية لمكافحة الأمراض الوبائية والإلتهابات. هذا العقار الذي تميز بقدرته على إنقاذ حياة أعداد لا حصر لها من المحاربين الذين كانوا سيلاقوا حتفهم بسبب تلك الإلتهابات الشديدة والخطيرة.
بعد النجاح الرائع الذي حققه البنسلين في علاج الأمراض الصعبة والمستعصية، حرص الأطباء على تطوير المضادات الحيوية للحصول على عقاقير آخرى وهكذا تم الحصول على الستربتوميسين من أحد فصائل الميكروبات التي تنتمي إلى عائلة “ميستر بتوميسيس جريسيس” هذا العائلة فرع من مجموعة آخرى من البكتيريا والتي تعرف ب “اكتينوميستيس”، استطاع عقار الستربتوميسين والنسخة المطورة منه “الدايهيدروستروينوميسين” أن يتمكنا من ميكروب السل الذي قضى على حياة الكثير من الأشخاص، هذان العقاران لم يتمكنا فقط من إيقاف تقدم وتطور المرض ولكن استطاعا القضاء عليه تمامًا وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
لكن مع الأسف بمجرد تطبيق هذا العقار على الحالات المصابة بالسل ظهرت بعض الأعراض الجانبية والمضاعفات السلبية التي أثرت على عجائب هذا العقار في علاج السل فهناك بعض الحالات التي عانت من أعراض خطيرة من بينها الغثيان والقئ وإضطراب وظائف الكليتين وتلف الأعصاب الذي يسبب الصمم. هذا بالإضافة إلى أن البكتيريا تمكنت من إنتاج أجيال جديدة تعمل على مقاومة العقار ولذلك بحث العلماء حول نقطة الضعف هذه لتحسينها أو القضاء عليها.
خلال هذه الفترة ظهر الكثير من الأبحاث العلمية في إحدى معامل الشركات الدوائية العالمية والمخابر الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الأبحاث قامت على آلاف العينات من الميكروبات المختلفة التي أُحضرت من مختلف المناطق بالعالم. هذه الأبحاث تمكنت من إكتشاف الأريوميسين والكلورميستين؛ هذان العقاران يشبهان إلى حد كبير الستربتوميسين وتنتجهما الكائنات الدقيقة التي تنتمي إلى فصيلة الأكتينوميسيتس.
بعد إكتشاف البنسيلين تمكن العلماء والأطباء في مختلف أنحاء العالم من تطور مجال المضادات الحيوية إلى أبعد الحدود، على الرغم من أن هناك أعداد قليلة هى ما تمكنت من القضاء على أنواع مختلفة من الميكروبات والعدوى البكتيريا حيث تمكنت من قتل جراثيم الأمراض.
هذا النجاح الرائع الذي توصل إليه الكيماويين حفز العلماء من إستمرار عملية البحث من أجل إكتشاف أنواع جديدة من المضادات الحيوية، لهذا السبب نسمع الآن في كل يوم تقريبًا عن إكتشاف جديد في هذا الميدان ومن أشهر تلك المعجزات الحديثة في المضادات الحيوية تظهر الأنيزوميسين والباسيتراسين والسيلستيتين والسبيراميسين والسيكلوسيرين والماناميسين، تلك العقاقير تختلف في حدة تأثيرها على البكتيريا فهناك أجيال من البكتيريا تمكنت من إكتساب المناعة ضد بعض هذه العقاقير وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
إلى جانب المجهودات الواسعة لتطوير المضادات الحيوية، تمكن بعض العلماء من إكتشاف طريقة لمزج المضادات الحيوية بالفيتامينات، بهذه الطريقة استطاعوا إيقاف بعض الأمراض الخطيرة من الإنتشار والتطور وأيضًا زادت من مناعة المريض لمواجهة هذا المرض.
هذا النوع من العقاقير استطاعت أن تحدث ضجة وثورة في العلاج الطبي فقد ساعدت تلك العقاقير على التغلب على الكثير من الأمراض المعدية والتي تُعتبر سببًا رئيسيًا للوفاة في الكثير من أنحاء العالم ، إلى حد كبير يمكنك القول أن تلك العقاقير استطاعت التغلب على الكثير من الأمراض.
مركبات ستيرويدية في استخدام الكيمياء في الطب
لم يتوقف نجاح الكيمياء في مجال الطب عن المعجزات الدوائية التي ذكرناها في السابق فقد استطاع علم الكيمياء أن يفسح المجال لإنتاج الكثير من الأدوية الفعالة والرائعة من بينها الكورتيزون والأكتة وهما أحد العقاقير التي تُعرف في الناحية الطبية ب “الهرمونات”.
من الناحية الكيماوية ستجد أن الهرمونات عبارة عن مجموعة من المركبات المعقدة التي تتكون في الأساس من مواد تُعرف ب “الستيرولات” والتي تكون بدورها مركبات آخرى تُعرف ب “مركبات ستيرويدية”؛ هذه المكونات هى ما تضيف إلى الهرمونات خصائصها العجيبة.
بعد دراسة المواد الستيرويدية ومشتقاتها تم الوصول إلى هذا العقار العجيب والمميز “الكورتيزون” الذي حقق نجاحًا عالميًا منذ ظهوره الأول، أطلق عليه في بداية الأمر ب “المركب 5” وهذا لأنه يمثل خامس مركب من مجموعة المركبات الستيرويدية.
الكورتيزون هو أحد هرمونات الغدتان الجار كلويتين، تلك الكرات الصغيرة التي تلتصق بأعلى الكليتين. الجزء الداخلي من هذه الغدة يُعرف بالنخاع ويفرز نوعًا واحدًا من الهرمونات، بينما الجزء الخارجي من الغدة والذي يُعرف بالقشرة يفرز ثمانية وعشرين هرمونًا وأحدها هو الكورتيزون.
استخدم ىالكورتيزون في العديد من التجارب الطبية من بينها إحدى الحالات التي عانت من إلتهاب المفاصل بشكل كبير لدرجة أنها لازمت الفراش بسبب تورم مفاصل يديها ورجليها وتخشبها والآلام الشديدة التي تعاني منها، لكن بعد أن أُعطيت هذا الهرمون بثلاثة أيام تمكنت المريضة من التحرك وفي اليوم الرابع أخبرت طبيبها أن معدل الآلام انخفض إلى حد كبير وبعد مرور أسبوع تمكنت من الوقوف والتجول في الشارع بشكل طبيعي، وهناك العديد من الحالات التي تمكنت من التخلص من آلامها بفضل الكورتيزون.
استمرت الأبحاث والدراسات الطبية حول هذا المجال لتطوير إفراز الهرمونات المختلفة من بينها الهرمون الذي يُعرف ب “أدرينو كورتيكو تروفيك” والمعروف أيضًا بهرمون “أكته ACTH” وهو من الهرمونات الأساسية التي تنتجها الغدة النخامية. هذا الهرمون يعمل وبشكل فعال في تنشيط قشرة الغدتين الجار كلويتين لإفراز الكورتيزون، هذا يعني أنه في حالة عدم عمل الغدتان الجار كلويتان ولا تستجيب لأوامر الغدة النخامية لإفراز الكورتيزون يصاب الجسم بإلتهاب المفاصل وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
على الرغم من إكتشاف الأطباء أن تأثير الأكته مشابه لتأثير الكورتيزون على إلتهاب المفاصل وغيرها من الأمراض إلى أن التركيب الكيماوي للأكته وأيضًا طريقة تأثيرًا تختلف بعض الشيء عن الكورتيزون حيث ينتمي الكورتيزون إلى مجموعة كبيرة من المركبات الستيرويدية بينما الأكته من الهرمونات البروتينية.
خلال منتصف القرن العشرين إكتشف الأطباء نوع آخر من الهرمونات وهو المركب رقم 6 والمعروف علميًا ب “الهيدرو كورتيزون” وهو أقوى في تأثيره من الكورتيزون، هذا بالإضافة إلى أنه يساعد في العلاج الموضعي الذي يساعد في شفاء مفصل أو مفصلين مصابين بالإلتهاب. استخدام هذا العلاج الموضعي يحمي المريض من التعرض للمضاعفات الجانبية السلبية نتيجة للعلاج الكامل بالهرمونات.
لم يكتفي العلماء بهذا الكم من الهرمون فبعد الكثير من الدراسات التي تتعلق بخواص الكورتيزون والعديد من مشتقاته، تمكن الكيمائيون من معرفة الكثير من الهرمونات الجديدة ومن بينها “الفلورو هيدرو كورتيزون ، والميتا كورتاند رالون ، والميتا كورتاندا سين”. وقد أظهرت البحوث والدراسات الطبية أن تأثير أخر هرمونين أقوى ثلاث مرات من الكورتيزون.
بعد ذلك حاول بعض العلماء دراسة أنواع آخرى من الهرمونات من بينها “التستوستيرون والأستروجين” لمعرفة قدراتهم في علاج الأمراض الجسمانية. أيضًا التأكد من فعالية هذه الهرمون من علاج بعض أنواع السرطان والعلل العقلية وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
كل العقاقير والأدوية التي ذكرناها في السطور السابقة توجد ضمن عائلات أو مجموعات، لكن هناك أنواع آخرى من العقاقير التي توجد على حالة منفردة من بينها “فيتامين ب 12” الذي أثار الإنتباه بسبب خواصه المنفردة والمتميزة.
في عام 1926 تعرض العديد من الأشخاص إلى الأنيميا الخبيثة؛ ذلك المرض الذي يهاجم خلايا الدم الحمراء بالجسم والذي أدى إلى وفاة ما يعادل خمسين ألف في الولايات المتحدة الأمريكية كل عام. لكن حتى يتمكن الأطباء من علاج الأنيميا تم تغذية المصابين على كميات كبيرة من الكبد وهكذا تم الحد من الأنيميا. هذا السبب الذي حفز الكثير من العلماء للوصول إلى تلك المادة المضادة للأنيميا والموجودة في الكبد وبعد العديد من الدراسات والأبحاث الطبية توصل أحد العلماء أن هذه المادة الكيماوية على هيئة فيتامين ب 12.
أيضًا هناك العقاقير المضادة للتجلط التي تمثل معجزة بالنسبة لنا فهذه العقاقير تتمكن من إيقاف عملية تجلط الدم وأهمها : الدايكيو مارول ، والترو مكسان ، والهيبارين والهيديولين ومزيج الستربتو كيناز. هذه العقاقير أثبتت فعالية كبيرة في علاج الحالات التي تعاني من أمراض القلب كالذبحة الصدرية والتي تنشأ في الأساس بسبب جلطة في الدم تسبب في حجز الدم عن عضلة القلب وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
تم إكتشاف مجموعة آخرى من العقاقير وظيفتها عكس المجموعة السابقة، تلك المعجزة الآخرى التي أثبتت بفضل سحر الكيمياء فعالية كبيرة في ميدان العلاج حيث تستخدم تلك العقاقير في تجلط الدم في حالات النزيف الشديد. كثيرًا ما يتعرض الإنسان لإصابات شديدة وجروح بالغة ينتج عنه نزف شديد لا يمكن إيقافه ولا يستطيع الأطباء من الوصول إليه أثناء الجراحة وهكذا لا يتمكن الطبيب من إستخدام الطرق المعتادة مثل ربط الأوعية الدموية أو الخياطة لوقف النزيف. في مثل هذه الحالات استخدم الأطباء الثرومبين وهذه المادة حُضرت من دم الإنسان ولها خصائص مميزة في عملية تجلط الدم العادية.
وهنا حاول الأطباء إلى التوصل إلى مادة يمكن إستخدامها مع الثرومبين وتتمكن أنسجة الجسم من لإمتصاصها بشكل طبيعي، بالفعل تم إكتشاف مادة لها تأثير فعال وقوي في عملية تجلط الدم وهذه المادة مكونة من الجيلاتين النقي وتُعرف ب ” Gel Foam” وهذه المادة تتمكن من إيقاف النزيف وحدها أو مع استخدام الثرومبين.
ومادة آخرى تُعرف ب “النشا الإسفنجي” وتحضر تلك المادة من نشا الذرة؛ هذه المادة لها تأثير كبير وفعال في وقف النزيف وخاصة النزيف الذي يحدث بعد الولادة القيصرية.
بعد ذلك أجرى العلماء الكثير من الدراسات الطبية المستفيضة حول دم الإنسان وأشارت نتائج تلك الدراسات معرفة لأحد السوائل الحيوية وأيضًا إكتشاف مجموعة من المواد الهامة والضرورية في مجال العلاج الطبي على سبيل المثال العقاقير التي تسبب في تجلط الدم. أيضًا هناك أحد المواد التي أثبتت فائدتها في الطب وهي “ألبومين مصل” الذي ظهر أنه بديل مناسب للبلازما وخاصة في حالات الصدمات والحروق الشديدة.
من بين مكونات الدم الهامة “الجاما جلوبيولين” وهذا العقار أثبت تأثيره الفعال في علاج الحالات المصابة بالإنفلونزا والحمى القرمزية والدفتريا، هذا بالإضافة إلى أنه العقار الأول الذي ساعد في مقاومة مرض شلل الأطفال الذي يصيب البعض.
تمكن الكيمائيون أيضًا من الوصول إلى عقار عجيب تمكن من علاج الملاريا بشكل تام وهذا أغني عن إستعمال العلاج التقليدي وهو الكينين الذي يحصل عليه من قلف أشجار السينكونا، هذا العقار البديل يُعرف طبيًا ب “الأثيرين” الذي ساعد الإنسان في مقاومة الملاريا والقضاء عليها وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
من أسوأ أمراض الإنسان التي يسعي إلى التخلص منها تلك الإضطرابات العقلية حيث أظهرت الإحصائيات الطبية أن مرضى العقول يحتلون نصف عدد الأسرة الموجودة في كافة المستشفيات بالولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما أثار إنتباه الأطباء عن المشكلة في هذا البلد.
لكن استطاعت الكيمياء أو تمنح المساعدة أيضًا في هذا المجال وهذا عن طريق استخدام عقارين جديدين وهما : الكلور برومازين ، والريزيربين”، هذان العقاران أثبتا فعالية كبيرة في تخفيف حدة بعض أنواع الإضطرابات العقلية. بمجرد أن يتناول المريض أحد العقارين فهو يهدأ ويستسلم للأطباء وهنا يتمكن الطبيب من إكمال العلاج بالأساليب الآخرى.
كما أن عقار “الريزيربين” المستخلص من نبات الراوليفا سرينتينا مفيد في الحالات التي تعاني من ضغط الدم العالي. إرتفاع ضغط الدم من الأمراض التي أودت بحياة الكثيرون كل عام ولهذا السبب اكتشف الكيمائيون عقارين هما “الهكسا ميثوفيوم و الهيدرا لازين”.
وظهرت مساهمة الكيمياء في مجال الطب أيضًا عند إختراف مصل الدكتور سولك لعلاج شلل الأطفال الذي يهاجم أعداد كبيرة من الأطفال والبالغين في الكثير من دول العالم. حاول بعض الأطباء التعرف على طبيعة الميكروب الذي يسبب في شلل الأيدي والأرجل أو الجسم كله وأحيانًا الوفاة وهنا يظهر استخدام الكيمياء في الطب .
وبعد العديد من الدراسات والبحوث الطبية والتي أظهرت أن شلل الأطفال أو البوليو يصيب الجسم نتيجة لنوع من الفيروسات، تلك الكائنات الدقيقة التي تتمكن من التسرب حتى من أدق المرشحات وبعد دخولها جسم الإنسان تأخد مسارها إلى نهايات الأعصاب وحسب قوة الفيروسات وإمكانية خلايا الجسم على إنتاج مادة قوية مضادة للفيروس، في هذا الوقت تسبب الفيروسات في تلف الخلايا العصبية ىالدقيقة بدرجات متفاوتة وتسبب في الإصابة إما بشلل طفيف أو خطير أو ربما للوفاة.
كان الحل الوحيد لمقاومة تلك الفيروسات هو إنتاج الأجسام المضادة التي تكسب الجسم مناعة طويلة الأمد ضد الفيروس اللعين ومن هنا ظهرت فكرة المصل لمحاربة المرض.
أثرت الكيمياء تأثيرًا عميقًا وملحوظًا في مجال الطب وخاصة في منتصف القرن العشرين الذي شهد ظهور العديد من العقاقير الممتازة، هذه العقاقير التي أحدثت تغيرات ثورية في ميدان العلاج الطبي؛ تغيرات استطاعت سنوات إلى متوسط عمر الإنسان في مختلف أنحاء العالم.